• جدار من أجل التوريث

    مدونة لقمان

    سال حبر كثير في الحديث عن قضية الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة. قال علماء وسياسيون مصريون معارضون الكثير ، ورد عليهم مؤيدو النظام وسياسيوه ، وكان العنوان الأبرز لردودهم هو ذلك المتمثل بـ"السيادة والأمن القومي"...
    سال حبر كثير في الحديث عن قضية الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة. قال علماء وسياسيون مصريون معارضون الكثير ، ورد عليهم مؤيدو النظام وسياسيوه ، وكان العنوان الأبرز لردودهم هو ذلك المتمثل بـ"السيادة والأمن القومي".

     

    "الإسرائيليون" الذين يعمل الجدار لمصلحتهم أكثر من أي طرف آخر ، قالوا الكثير بدورهم ، لا سيما أنهم يتميزون بالكثير من الصراحة في الحديث عن حلفائهم وأعدائهم في آن ، وهم (صحافتهم تحديدا) لا تتورع عن كشف أية قضية ، الأمر الذي لا يفسّر تماما بحكاية الحرية (رغم حضورها في السياق) ، إذ يُردّ جزء منه إلى الاستخفاف بالدول والجهات التي تتعاون مع دولتهم.

     

    ما نحن بصدده اليوم ليس تجميعا لما قاله "الإسرائيليون" طوال أسابيع فيما يتصل بملف الجدار ، بل هو خلاصة تقرير واحد لا أكثر ، كتبه مراسل صحيفة القدس العربي اللندنية في الأراضي المحتلة عام 48 (زهير أندراوس) ، ونشر في الثالث من الشهر الجاري ، وفيه يكشف سياسيون وصحافيون "إسرائيليون" حكاية الجدار بكل تفاصيلها ، وهي تفاصيل لا تختلف البتة عما سبق وذكرناه مرارا ، كما ذكره كثيرون سوانا ، من بينهم مصريون من دوائر مختلفة ، وخلفيات أيديولوجية متباينة.

     

    الصحافي "الإسرائيلي" (إليكس فيشمان) ، وهو خبير في الشؤون الأمنية ومقرب من دوائر صنع القرار ، كشف بداية انطلاقة المشروع عندما توصلت وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" السابقة (ليفني) مع نظيرتها الأمريكية (رايس) على تسيير دوريات بحرية أمريكية أوروبية "إسرائيلية" في البحر المتوسط والممرات المائية المؤدية إليه لمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة ، كما تم الاتفاق على منع التهريب عبر البر ، الأمر الذي احتج عليه النظام المصري (بسبب عدم التشاور معه) ، لكنه سرعان ما أبلغ الأمريكيين باستعداده للمشاركة والتعاون (السلاح إذن هو القضية الأهم).

     

    ينقل التقرير أيضا عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" قولها إن صناع القرار العسكري والسياسي في الدولة العبرية يحصلون على صور جوية وتقارير عن سير العمل في الجدار ، وكلها تؤكد جدية مصر في "سد منافذ تهريب السلاح".

     

    وتنقل الصحيفة عن ضابط كبير إعجابه الشديد بالجهد المصري ، مضيفا أن الحديث لا يدور عن مجرد جدار ، بل منظومة متكاملة من العوائق المترابطة والمتشابكة التي جاءت بدورها خلاصة مخطط أمريكي أعدته وزارة الدفاع الأمريكية ، ودربت الطواقم المصرية على تنفيذه.

     

    فيما يتصل بالدوافع المصرية الكامنة خلف إقامة الجدار ، ينقل التقرير كلاما لدوري غولد ورد في حديث له مع القناة العاشرة في التلفزيون "الإسرائيلي" ، وغولد هو ممثل (إسرائيل) السابق في الأمم المتحدة والمستشار السياسي السابق لنتنياهو ، ومما قاله إن العوامل الداخلية الخاصة بالنظام المصري كانت حاسمة في دفع القاهرة للتعاون مع واشنطن وتل أبيب في إقامة الجدار ، مشيرا إلى القضية الأهم في هذا السياق ممثلة في "ضمان انتقال الحكم من الرئيس لنجله جمال بسلاسة ودون مشاكل".

     

    لكن آخرين ، بحسب التقرير يشيرون إلى سبب آخر لإقامة الجدار ، يتمثل في كونه وسيلة أخرى من الوسائل المستخدمة لإسقاط حكم حماس في قطاع غزة ، وهو ما نقله التقرير عن "تسفي بارئيل" معلق الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس".

     

    تبقى المفارقة المرة في التقرير ، ممثلة فيما نقله عن كاتبين "إسرائيليين" ، الأول هو "عاموس جلبوع" الذي كتب في "معاريف" يقول: "عندما تقوم الدولة العربية الأكبر بخنق الفلسطينيين على هذا النحو ، لماذا يتوقع منا أي أحد أن نتعامل معهم برفق. هل جدير بنا أن نكون ملوكا أكثر من الملك ، العرب يخنقون العرب ، لماذا لا نتعلم هذا الدرس؟". أما الثاني فهو "يسرائيل هارئيل" الذي كتب في "هآرتس" يقول: "واضح لكل من له عينان في رأسه أن الذي يقوم بمحاصرة الفلسطينيين وتجويعهم ومحاولة قتلهم هي مصر وليس (إسرائيل) ، هذا ما يتوجب أن نقوله للعالم بدون خجل ومواربة ، لماذا ندفع نحن ثمن ما يقوم به مبارك؟".

     

    بعد ذلك كله ، يأتي من يحدثك عن السيادة والحقوق الوطنية ، وسوى ذلك من الكلام الذي يدين أصحابه أكثر مما يدافع عنهم ، لا سيما أن كل العقلاء سيسألون لماذا لا يبنى جدار مماثل على الحدود مع الكيان الصهيوني؟

    فلسطين الآن

    « أشرار الفجرالعصافير القاتلة »

    Tags وسوم :
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق