• فرعون وألغاز صفقة الغاز

    مدونة لقمان

    تحكي كتب قصص الأنبياء أن فرعون حين رأى معجزة انشقاق البحر أخذته الرهبة لفترة، وعلم أنها قوة الواحد القهار ثم غلبته نفسه الأمَّارة بالسوء، وأخذته العزة بالإثم ونادي في جنوده: أرأيتم كيف انشق البحر لي من أجل أن أمسك بعبادي المارقين؟! اذهبوا خلفهم لنأخذهم أجمعين!! ثم كانت نهايته وهامان مع جنودهما ليكونا عبرةً لمَن يعتبر....

    يحكي رب العزة عن فرعون، وتجبره على المؤمنين بقوله تعالى على لسان فرعون مخاطبًا رعيته: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52)﴾ (الزخرف)، ثم يبين الله لنا في سياق الآيات التالية مصير فرعون وقومه: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56)﴾ (الزخرف).

     

    وتحكي كتب قصص الأنبياء أن فرعون حين رأى معجزة انشقاق البحر أخذته الرهبة لفترة، وعلم أنها قوة الواحد القهار ثم غلبته نفسه الأمَّارة بالسوء، وأخذته العزة بالإثم ونادي في جنوده: أرأيتم كيف انشق البحر لي من أجل أن أمسك بعبادي المارقين؟! اذهبوا خلفهم لنأخذهم أجمعين!! ثم كانت نهايته وهامان مع جنودهما ليكونا عبرةً لمَن يعتبر.

     

    والعجيب أنه في كل زمان يظهر فرعون بشكل، أو بآخر، ولا يتعظ أحدٌ منهم بمصير جدهم الأكبر فرعون موسى، وسبحان الله فإنه لا رادَّ لسنن الله الكونية, ففي عهد الحبيب صلى الله عليه وسلم كان هناك أبو جهل فرعون الأمة، كما سماه الرسول الكريم، والعجيب أن أبا جهل كان موقنًا بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنها العصبية الجاهلية والكبر، فقد قال أبو جهل في معرض مقارنة قبيلته مع قبيلة الرسول: فعلوا كذا ففعلنا كذا حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا منا نبي فأنى لنا بمثلها!!.

     

    وفي مصرع أبي جهل سيناريو مماثل لمصرع مثله الأعلى فرعون موسى؛ حيث طلب حكماء قريش منه العودة بالجيش إلى مكة، ولكنَّ أبا جهل أبى قائلاً جملته المشهورة: لا نرجع حتى نقيم ببدر ثلاثة أيام، وننحر الجزور، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب فما يزالون يرهبوننا أبد الدهر!!.

     

    وقال مع زبانيته قولتهم المشهورة ليلة مصرعهم: الليلة خمر ونساء وغدًا نقتل محمدًا وصحبه!! فصدقوا في الخمر، والنساء، وعكسها الله لهم في القتل، ومع أنه يروى أن الشيطان أخبر أبا جهل، وهو يسقيه الخمر أن هذه آخر كأس له! ولكن غرور، وصلف أبي جهل أعمى بصيرته ليلقى مصيره المحتوم تمامًا مثلما حدث مع الفرعون الأكبر؛ والأغرب أن أبا جهل، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة كان لا يزال في غيه حين نادى سيدنا عبد الله بن مسعود، وهو يقطع رأسه قائلاً: لقد ارتقيت مرتقًى صعبًا يا رُوعي الغنم!! فهو يحتقر ابن مسعود، ويناديه بروعي وهو تصغير راعي!!.

     

    وتمر السنون، ويكون لكل عهدٍ فرعونه حتى ابتلى الله الشعب المصري بما يسمى ثورة 23 يوليو، التي قام الفراعنة الجدد بسرقتها من أصحابها الحقيقيين، فسجنوا قائد الثورة اللواء محمد نجيب عليه رحمة الله، وأفقروه حتى إن ابنه يعمل سائق ميكروباص في القاهرة!! وعذبوا، وقتلوا الإخوان المسلمين الذين بطيب نية، أو سذاجة سياسية في وقتها قاموا بإنزال عشرة آلاف مسلح في القاهرة وحدها لحماية الثورة التي لم يعلموا أنه تم بيعها في السفارة الأمريكية بالقاهرة طبقًا لأسرارهم المنشورة، ومذكرات رجال المخابرات، والتف أعوان أبي جهل حول كل ذي سلطان يزينون له طريق الشر، والغي واحدًا تلو الآخر، فمنهم مَن قال بأنه سوف يحبس الله في زنزانة إذا نزل من السماء!! ومنهم من كان يستأسد على سجناء التيار الإسلامي، ويصف أحد العلماء الأفاضل بأنه مثل الكلب، ثم يخلفه آخر يقسم أنه سوف يقتلع الدين من مصر، ويحبس الرجال، وينهب الأموال!!.

     

    وسبحان الله مات كل طاغية موتةً فيها عبرة لمَن يعتبر فمنهم مَن اخترقت الأسياخ الحديدية عنقه في حادثة، وكان يخور كالثور قبل مصرعه، ولم يستطيعوا إخراج الأسياخ الحديدية من رقبته فاضطروا لدفنه بها!! وآخر بعد دفنه مباشرة لفظته الأرض، وطفت جثته في بركة من مياه المجاري التي لم يعرفوا لها مصدرًا؛ حيث لم تكن هناك مواسير في منطقة الدفن!! وأعيتهم الحيل مع استخدام أحدث ماكينات الشفط، ولكن القبر كان يعاد امتلاؤه في وقت قصير جدًّا فنامت جثة الطاغية في المجاري، كما كان يطلق مياهها القذرة في حياته على السجناء الشرفاء!!.

     

    ولكن هل اعتبر أعوان هامان، وفرعون؟! بعضهم تاب، ولكن معظمهم ما زال في غيه ويتبوءون الآن معظم المناصب في النظام المصري حاليًّا، وهم بارعون في تغيير جلودهم من الاشتراكية- هيئة التحرير إلى حزب مصر فالرأسمالية، والحزب الوثني، وطبقة رجال النهب (الأعمال)، فرأينا العجب العجاب ضابط المخابرات "موافي" في عهد الثورة التي كانت مهمته إحضار الساقطات إلى رجال الثورة يصبح مسئولاً رفيعًا مهمته تثقيف الشعب!!.

     

    ورأينا من كان "عازف كمنجة" يصبح أغنى رجل في مصر ليثبت صحة المثل المصري: الرجل لا يعيبه سوى جيبه، وغيرهم مثل نواب المخدرات، والقروض، وأكياس الدم، والأراضي ثم المصيبة الكبري كانت في الغاز الطبيعي المصري الذي يتم تصديره إلى إسرائيل بأبخس الأثمان، ولمدة طويلة تمتد إلى عشرين عامًا!!.

     

    والأعجب أن وزارة البترول المصرية هي التي قامت بإنشاء خطوط الأنابيب، ومع ذلك هناك وسيط مصري يتقاضى رسومًا من وزارة البترول عن كل متر مكعب من الغاز يتم تصديره، وتبلغ أرباح هذا الوسيط المليارات!! وهذا الوسيط هو أحد أعضاء منتجع شرم الشيخ الرئاسي المقربين جدًّا من النظام، وليذهب الشعب الفقير الذي لا يجد أنبوبة الغاز إلى الجحيم، فهو في نظر النظام عالة عليه، ويسبب له الإزعاج، فتارةً يحلم هذا الشعب بجسر فوق البحر الأحمر يريحه في رحلات الحج والعمرة، ويختصر الوقت، والمال، وينقذ الأرواح, فيرد عليه أعضاء منتجع شرم الشيخ قائلين: اخرس يا شعب يا جربوع تريد كوبري يمر من فوق أسيادك، ويسبب لهم الإزعاج! نحن لا نؤمن بهذا التخلف!.

     

    وكأنَّ الله ختم على قلوب تلك الطغمة الفاسدة حتى لا تنال حسنة واحدة تحاج بها عن نفسها أمام الله! ثم يحلم هذا الشعب المسكين مرةً أخرى بالحفاظ على ثروته من الغاز لحاجته الشديدة له فيقوم الشرفاء بتنظيم حملة "لا لنكسة الغاز" ويرفعوا دعوى أمام القضاء ويكسبون حكمًا بوقف هذه المهزلة، ولكن النظام المتعوس يماطل، ويرفع دعاوى قذف وسب على هؤلاء الشرفاء لإرهاقهم ماديًّا عن طريق أعوانه في النظام القضائي الذين تم اختيارهم على عين النظام لتنفيذ مهامه من تزوير انتخابات إلى أحكام سابقة التجهيز، ويسيئون إلى شرفاء النظام القضائي المصري، والحمد لله ما زال الشرفاء أغلبية في قضائنا العريق.

     

    لن أعلق على حكم المحكمة الإدارية العليا بأن تصدير الغاز من الأعمال السيادية التي تختص بها حكومة السعد والهنا؛ ولكن أعجبني الموقف الشريف لذلك القاضي المخلص الذي رمى مسبحته على المنصة امتعاضًا مما حدث، وأدعو الله أن يحفظه من زبانية فرعون وترزية القوانين.

     

    لقد ذكرتني قضية الغاز بقصة جميلة كان فضيلة الشيخ كشك عليه رحمة الله يرويها في أحد شرائطه؛ حيث يروي رحمه الله أن رجلاً من بني إسرائيل ولدت بقرته عجلاً صغيرًا؛ ولكن جاره الغني الطماع سرق العجل وادَّعى أن العجل هو ابن فرسه! فاشتكى الفقير إلى القاضي، ولكن الغني كان قد رشى القاضي، وقال القاضي في جلسة الحكم للفقير: ألا ترى أن العجل له عينان وأذنان مثل عينيّ وأذنيّ الفرس.. ألا ترى أن ذيل العجل يشبه ذيل الفرس, فليس هناك أدنى شك في أن هذا العجل هو ابن ذلك الفرس!!. فخرج الفقير يضرب كفًّا بكفٍ، وهو يحتسب عند الله فُجْرَ ذلك القاضي، ثم استأنف الفقير الحكم أمام قاضٍ آخر علم أنه قاضٍ نزيه، وحاول الغني رشوة القاضي، ولكن القاضي كان يخشى الواحد القهار، وبدأت المحاكمة، وذكر الغني في دفاعه أن العجل هو ابن الفرس لأنهما يشبهان بعضهما؛ كما ذكر القاضي الأول، وقبل أن يبدأ الفقير دفاعه طلب القاضي رفع الجلسة فسأله الغني لِمَ ترفع الجلسة؟ فرد القاضي بأنه قد نزل عليه دم الحيض! فردَّ الغني مستنكرًا: وهل ينزل دم الحيض على الرجال؟! فرد عليه القاضي المؤمن: وهل تلد الفرس عجلاً يا هذا! وحكم بالعجل للفقير.

     

    وإني أدعو الله أن يرد علينا قطعان العجول التي نُهبت منا تحت مسميات خبيثة مثل: الخصخصة، والجدولة، والهيكلة، وأعمال السيادة! والحمد لله أن الصحراء الغربية مليئة بالألغام وإلا باعوها بما فيها من ثروات.

     

    لقد بحثتُ طويلاً عن وصفٍ لهذه الشرذمة التي تسلطت على رقبة مصر فلم أجد خيرًا من أبيات الشاعر عبد الرحمن يوسف تحت عنوان الهاتك لأمر الله!


    يا من لعرضي هتــــك فقدت شـرعيتك                    من ربع قرن كئيب لعنــــــــت طلعتك

    أموالنا لك حـــل فامـــــلأ بهــا جعبتك                    خلف الحراسة دومًا مستعرضًا قوتك

    تبدي مظاهر عز تخفـــي بهــــــا ذلتك                    سلاح جيشك درع تحمــي به عصبتك

    مع العدو كليل، ولـــكن بشعبـــي فتك                    سواد قلبك باد فاصبـــــــــغ به شيبتك

    يأتيك دعم عدوي فاصلــــب به قامتك                   سجدت للغرب دومًـــــــا مستبدلاً قبلتك

    بأدمعي ودمائي كتبـــــت قصــــــــــتك                   خذلت كل شريف حتــــــــــى غدت لذتك

    وكل أبناء شعبي قد شاهدت قســوتك                    وكم منحت لصوصًا يا قاسيًا رحمــتك

    تعطي لنسلك أرضي ممارسًا سلطتك                    كأن أرض جدودي قد أصبحت ضيعتك

    إخوان أونلاين

    « مصر تنتظر القتل الرحيمالجاسوس الذي يرافق المجاهد »

    Tags وسوم :
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق