• لو فعلها عباس لاعتبرناه بطلا

     لقمان الحكيم

    لا يمكن أن نصدق إعلان محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية-منتهي الولاية- عدم خوض الانتخابات المقبلة؟ وهل بالإمكان تصديق مبرراته أو بالأحرى اتهاماته لواشنطن و(تل أبيب)، وتحمليهما تبعة يأسه ونية الابتعاد عن المسرح السياسي الفلسطيني؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مسرحية هزلية جرى إخراجها أميركيا وإسرائيليا؟.... تابع البقية

    في تصوري إن الرجل غير صادق نهائيا فيما ذهب إليه، وإنما مناورة فاشلة من عشرات المناورات التي لجأ إليها لابتزاز الشارع الفلسطيني وتخويفه من سيناريو فراغ السلطة وسطوة حماس أو صعود من هو أسوأ منه مثل محمد دحلان الذي بات يطرح نفسه للقيادة ويحظى بدعم أميركي وإسرائيلي منذ سنوات بعيدة، نظرا لخدماته اللا محدودة في ملاحقة المقاومين أو إحداث فوضى أمنية ، واستعداده لتصفية القضية الفلسطينية والتوقيع على أي اتفاق مستقبلي يلقي به الإسرائيليون.

     ويحضرني هنا المشهد الهزلي الذي بدأ بحالة لغط وشائعات وتسريب خبر إعلان الرجل عدم الترشح، ثم خروج احد أسوأ المقربين لعباس، ياسر عبد ربه، لينفي للصحفيين صحة ما تسرب، ثم يأتي المساء ليعلن أبو مازن بنفسه قرار الانسحاب.

     

    ويزيد المشهد درامية ويغلفه بنكهة كوميدية ما نشرته الصحف الإسرائيلية عن اتصال الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز به، وترجيه ألا ينسحب حتى لا يضيع مستقبل الشعب الفلسطيني في إقامة دولة، لأنه وحده القادر على صنع السلام، حتى نتانياهو الذي يشتكي منه عباس، يقول فيه شعرا ويعتبره الخيار الأفضل الجدير بالدعم، وكذلك السيدة كلينتون.

     

    ألا يمكن استنتاج أكثر من دلالة من وراء ذلك، والتأكد من أن ما جرى ليس إلا محاولة هزلية لترميم شعبيته المنهارة التي لا تتجاوز 23% حسب استطلاعات الرأي، فضلا عن محاولة خداع الجماهير بإلقاء تبعة فشله داخليا وخارجيا على الآخر، وتبرئة نفسه وخياره الاستسلامي الفاسد والمدمر الذي لم يجرأ حتى الآن أن يعترف بأنهما كارثة حلت على الشعب الفلسطيني، ونالت من جوهر القضية والمصالح العليا للدرجة التي يستحق عليها المحاكمة.

     

    ونأتي لمبرره المتهافت، وحديثه الغث عن خديعة أو خيانة واشنطن وتل أبيب له ورفض تجميد الاستيطان، هل يمكن لعاقل أن يقتنع بهذا الكلام؟!

    فسلوك أميركا و(إسرائيل) طول الوقت يسير باتجاه الوعود ثم حنثها أو ممارسة ضغوط لانتزاع ما تريدان، فما الجديد إذن؟!

     

    ألم يتم وعده بما هو اكبر من تجميد الاستيطان أو بالأحرى بدولة في العام 2005، ثم تم تأجيل الموعد سنة فسنة حتى انتهت ولاية بوش الذي لم يمض قبل أن ينقل السفارة الأميركية للقدس ومنح "وعد بلفور جديد" يستجيب للمطالب الصهيونية في إسقاط حق العودة للاجئين وتهويد القدس ورفض حدود 67، وعندما جاء اوباما الم يعده بحل للمشكلة سريعا، لكن ملامح الصورة اتضحت منذ الأشهر الأولى لحكمه وهي أن سيد البيت الأبيض الجديد صهيوني أكثر من سلفه ويلتزم بأمن ومصالح الدولة العبرية وحدها، وان الأمر لن يعدو إلا أن يكون استهلاكا للوقت من جديد في جولات مكوكية لدبلوماسيين اميركان او لقاءات بين وفود إسرائيلية وأميركية، غايتها الجلوس على مائدة التفاوض، وليس حسم الملفات المحسومة سلفا حتى من قبل "اتفاق اوسلو" الملعون، في حين تسير المخططات الصهيونية في طريقها، وتفرض وقائع جديدة على الأرض، بمباركة أميركية ودعم لا محدود كذلك .

     

    إن عدم التعلم من كل هذه الدروس القاسية ورصيد الفشل الكبير والرهانات الخاسرة المتتالية وتجاهل كل هذه المعطيات وتناسى أن واشنطن ليست وسيطا نزيها وإنما شريك معاد للمصالح الفلسطينية ، يشير إما إلى غباء أو تواطؤ، وان كنت أرجح الثانية .

     

    فهل يمكن أن ننسى أن محمود عباس ذاته صنيعة أميركية إسرائيلية، فمن استحدث منصب رئيس الوزراء، وأتي به ليحجم سلطة عرفات، ويضغط عليه لانتزاع تنازلات اكبر؟ومن دعم وصوله للرئاسة واعتبره الوجه الأكثر قبولا دوليا وإقليميا، أليست واشنطن وتل أبيب؟

     فهل يمكن بعد ذلك أن نصدق أن بإمكانه أن يشق عصا الطاعة ويتمرد عليهما أم يقدم فروض الولاء التي أهمها الإعلان صبح مساء أن الخيار المسلح مرفوض وصورايخ المقاومة عبثية والعمليات الاستشهادية مدانة، وان الخيار الأوحد هو المفاوضات، بالإضافة إلى استهداف المقاومين، واستعداء من يرفض انبطاحه وتنازلاته المجانية حتى من بين أبناء فتح وقياداتها التاريخية مثل المناضل الشريف فاروق قدومي.

     

    إذا كان فعلا صادقا وبريئا ومخلصا للقضية أو حتى إذا كان لديه الاستعداد للتكفير عن خطاياه بحق الشعب الفلسطيني، فكان عليه بدلا من مسرحيته الهزلية أن يوقف تآمره هو ورفاقه الانتهازيون على قوى المقاومة، وان يشرع في إجراءات تعيد للقضية الفلسطينية زخمها وروحها، من قبيل الشروع فورا في انجاز المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام، وليس الرضوخ إلى الأعداء الحقيقيين واصطناع عدو وهمي من أبناء الوطن مثل حركة حماس.

     

    والأهم من ذلك تأكيد خيار المقاومة المسلحة من جديد، والتوقف عن مهزلة التفاوض العبثية، لان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، حسبما تخبرنا التجربة التاريخية ، بالإضافة إلى تصفية السلطة والعودة إلى الكيان الجامع الذي تم اختطافه وإضعافه من قبل حركة فتح لصالح سلطة صنعها الاحتلال، أعني منظمة التحرر الفلسطينية، وإعادة بنائها من جديد أو استبدالها بكيان جديد يتوافق عليه الجميع، فلا معنى لسلطة تحت الاحتلال ومسمى دولة لا يعترف به أي احد قبل انجاز مشروع التحرر الوطني، ولا معنى لمؤسسات موازية لمؤسسات منظمة التحرير كالمجلس التشريعي أو رئاسة دولة ورئاسة حكومة، ولا معنى لاحتكار القرار من قبل حركة فتح واستبعاد الآخرين خاصة حماس والجهاد التي أثبتتا أنهما جزء رئيس وفاعل من المعادلة الفلسطينية.

     

    لو حدث هذا يمكن لقيادة فلسطينية وطنية تحظى بالقبول العام في الداخل والخارج أن تبزغ وليست شخصيات مشبوهة عميلة تنتظر القفز على السلطة بأي ثمن، ويمكن للقضية وحالتها النضالية أن تعود فتية ويمكن ساعتها عودة الروح للتضامن العربي والإسلامي والعالمي والتفافهما حول الحق الفلسطيني.

    لو فعلها عباس، ساعتها يمكن أن نصدقه، ونعتبره بطلا ، ونغفر له ما تقدم ، ونترحم عليه حين يرحل

    فلسطين الآن

    « تنازل من أجل الكرةالابتسامات تدخل غزة »

    Tags وسوم :
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق