• تركيا تتجه عربياً

    مدونة لقمان

    لا يخفى على المراقب أن ثمة أزمة متعددة الجوانب ومركبة الأبعاد والأسباب بدأت تخيم بظلالها على العلاقات التركية - الإسرائيلية بعد عقود من الإيجابية في هذه العلاقات وهنا يكفي أن نذكر أن تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في آذار عام 1949لا يخفى على المراقب أن ثمة أزمة متعددة الجوانب ومركبة الأبعاد والأسباب بدأت تخيم بظلالها على العلاقات التركية - الإسرائيلية بعد عقود من الإيجابية في هذه العلاقات
    وهنا يكفي أن نذكر أن تركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في آذار عام 1949 من ثم تطورت العلاقات بين البلدين إلى أن وصلت في عام 1996 إلى مستوى التحالف العسكري عندما وقع الجانبان على اتفاقية عسكرية للتعاون الإستراتيجي بينهما, اليوم ومع إلغاء تركيا مشاركة إسرائيل في المناورات الجوية الأطلسية (نسر الأناضول) التي كانت مقررة أن تجرى على أراضيها قبل إعلان تأجيلها يمكن القول إن أنقرة وضعت نهاية لتحالفها العسكري السابق مع إسرائيل وسط أنباء عن دخول الجانبين في مراجعة إستراتيجية لعلاقاتهما في إشارة إلى أزمة متفاقمة وصفتها الصحافة الإسرائيلية بأن العلاقة بين الجانبين وصلت إلى الحضيض.
    دون شك، وصول العلاقة الإسرائيلية - التركية إلى هذه النقطة لم يأت بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكمات كثيرة ومتغيرات سياسية داخلية وإقليمية ودولية، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002 تشهد تركيا تحولات سياسية على شكل إعادة النظر في أولويات هذه السياسة، كان من أبرز معالمها الحد من حضور البعد الأميركي - الإسرائيلي في السياسة الخارجية التركية مقابل توجه هذه السياسة إلى إعادة الاعتبار لعلاقاتها مع الدول العربية ولاسيما سورية وكذلك مجمل الجوار الجغرافي، وقد حظي هذا التحول بدعم شعبي قوي شكل زاداً قوياً لإستراتيجية حزب العدالة والتنمية في الحكم. وعلى هذه الأرضية جاءت مواقف تركيا الإيجابية من القضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية وتحديداً خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والتي وضعت العلاقات التركية - الإسرائيلية على المحك، إذ لا يخفى على أحد أن الخطاب التركي وتحديداً خطاب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شهد صعوداً كبيراً في لهجته تجاه إسرائيل، فمن وصفه لإسرائيل بالدولة الإرهابية واستقباله قادة حركة حماس، إلى ما حصل في دافوس بينه وبين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وليس انتهاء بمطالبته أمام الجمعية العامة للأمم في نيويورك بنزع السلاح النووي الإسرائيلي وإلغاء مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في مناورات نسر الأناضول... هذه المواقف وغيرها تعبر عن أزمة تدريجية في العلاقات التركية - الإسرائيلية ستكون لها تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة سواء على مستوى العلاقات الثنائية أم على مستوى العلاقة بالدول المعنية بهذه العلاقة والصراع في منطقة الشرق الأوسط.

    الثابت أن تركيا التي أصبحت دولة إقليمية مركزية كبرى لم تعد تخشى من التداعيات التي قد تؤثر عليها بسبب الأزمة مع إسرائيل بعد أن نجحت الأولى في تسوية خلافاتها مع دول الجوار الجغرافي ورسخت من مسألة الديمقراطية في الداخل وحدّت من سلطة الجيش وتدخله في الحياة السياسية، ووصلت إلى مستوى دولة مصنعة للأسلحة والمعدات العسكرية، بما يعني ذلك الإحساس التركي بعدم الحاجة إلى الخبرة العسكرية الإسرائيلية وغياب المعادلة القديمة التي تقول إن العلاقة الجيدة مع واشنطن تمر عبر تل أبيب ولوبيها القوي في الولايات المتحدة والغرب عموماً. في المقابل فإن إسرائيل التي تراقب عن كثب التحولات الجارية في السياسة التركية الداخلية والخارجية تحرص من جهة على إبقاء علاقاتها قوية مع أنقرة نظراً لدورها ومكانتها الإقليمية وهي في العمق تخشى من أن يتحول هذا الدور إلى الخانة المناهضة لها على أساس أن الخيار الآخر لتركيا هو تطوير العلاقة مع سورية وإيران، وعليه يتجنب القادة الإسرائيليون توجيه انتقادات علنية لتركيا ويحرصون على القول إن الأزمة الحالية هي طارئة وإن العلاقات بين الجانبين ستعود إلى سابق عهدها باعتبار أن المسألة هي مسألة وقت لا أكثر. ومن جهة ثانية فإن تل أبيب تعمل من خلال واشنطن وباقي الدول الغربية للضغط على أنقرة من أجل تعديل مواقفها الأخيرة من إسرائيل والحد من التحولات الجارية في سياستها الإقليمية وعلى المستوى الثنائي تهدد بحرمانها من الخبرة العسكرية المتطورة ولاسيما في مجال صفقة طائرات بلا طيار التي تتيح لتركيا قدرات عسكرية هائلة ضد حزب العمال الكردستاني.

    لكن وبغض النظر عن الدوافع الإسرائيلية هذه فإنه في العمق ثمة خشية إسرائيلية كبيرة من سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه القضية الفلسطينية وتحديداً تجاه غزة وحضور البعد الديني في هذه السياسة، والخشية الإسرائيلية هنا تتعلق بنشوء ثقافة سياسية وتربوية ليست مؤيدة للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني فقط، بل بكره إسرائيل وسياساتها، وما قصة المسلسل التركي (الوداع) والذي يصور قتل الجنود الإسرائيليين للأطفال الفلسطينيين في الشوارع والذل الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات على الحواجز الإسرائيلية إلا محطة في هذا السياق ولعل هذا هو سبب الانزعاج الإسرائيلي الشديد من المسلسل التركي واستدعاء الخارجية الإسرائيلية للقائم بالأعمال التركي لديها. في الواقع، مهما يكن، فإن العلاقات التركية بإسرائيل تبدو أمام أزمة مفتوحة مقابل التحسن المستمر في العلاقة مع الجوار الجغرافي ولاسيما سورية وإيران والعراق، وهو أمر يؤرق إسرائيل ويضعها في مأزق جدلية خيارات التعامل مع التحول التركي وآفاقه.
    الوطن السورية .. خورشيد دلي
    « استسلام مجموعة من حزب العمالتحفظات حماس الثلاثة »

    Tags وسوم : , ,
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق