• أين يسكن الشيطان ؟

    اللغة العربية سادتنا اللصوص المحترمين .....زوروا انتخاباتكم كما شئتم ، وسوِدوا لصوصكم كما شئتم ، واسرقوا إرادتنا ما وسعتكم السرقة ، وانهبوا آثارنا ما استطعتم ، واسرقوا من لوحاتنا الفنية المقتناة ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع ، واسرقوا الأوناش ما قل منها وما كثر ، وابسطوا نفوذكم على أراضينا جهد طاقتكم ..لكن ... نرجوكم – سادتنا اللصوص – لا تسرقوا لغتنا ، فلغتنا مرتبطة بقرآننا .. وسنموت دفاعا عنها ، وإن ظننتم أننا عن مؤامراتكم الخسيسة غافلون ، فأنتم واهمون .

    في برنامج صباح الخير يا مصر شاهدت الكاتب الصحفي الكبير صبري غنيم ضيفا على البرنامج منذ يومين أو ثلاثة ، استخدم الرجل كلمة " النهارده !! "أكثر من سبعين مرة في أقل من ثلث ساعة !! وهو رقم كبير لم أسمعه بهذه الكثافة إلا من الوزير رشيد محمد رشيد الذي يضع كلمة " النهارده !! " بين المضاف والمضاف إليه فيقول مثلا في رده على تحية الصباح ( صباح " النهارده !! " النور)!!

    ولا شك في أن الحوار المعتاد بين مذيع وضيف مسموح فيه باستخدام العامية مدام الضيف عاجزا عن التواصل بالفصحى ، أو يجد في ذلك عنتا كبيرا ، ومشقة بالغة تعرقل تدفق افكاره ، لكن الأمر يصبح مستهجَنا جدا ، وسخيفا ، وممقوتا ، حين يُستخدم التعبير العامي في سياق رسمي يُفتَرَض فيه التزام الوقار واحترام الهوية ، ومن السياقات الرسمية أسماء البرامج الإعلامية مذاعة كانت أو مرئية أو مطبوعة ، وهو ما بات غائبا عن إعلامنا المصري الموقَّر !! ومن السياقات الرسمية أيضا : الشعارات المرفوعة ، والمكاتبات الرسمية ، والمواد الإعلامية شبه الرسمية كنشرات الأخبار .

    وقبل عامين عقد الحزب الحاكم المتحكم في مصر ما يسميه ( مؤتمره السنوي) تحت شعار مكتوب بالعامية هو [ بلدنا بتتقدم بينا ] وقد أشفقت حد الألم وضحكت حد البكاء يومها وأنا أسمع مذيعة نشرة الثانية والنصف ظهرا في إذاعة البرنامج العام ، وهي تقرأ خبر ذلك المؤتمر بطلاقة وسلاسة اعتادتها حتى وصلت إلى عبارة (... ومن الجدير بالذكر أن المؤتمر ينعقد هذا العام تحت شعار........[ بلدنا بتتقدم بينا ] ....) أجبلت المسكينة عندما وصلت إلى الشعار وأحسست بما يعتمل في نفسها من صراع أخلاقي / مهني : أتترجم تلك العبارة القميئة إلى الفصحى لتنسجم مع سياق النشرة المعتاد ؟ أم تلفظها كما هي بصياغتها السوقية الرقيعة التي تتنافى وكرامة وعزة أي عربي يحترم لغته وذاته ؟ لو ترجمت المسكينة العبارة لجوزيت وحُقق معها بتهمة مخالفة النص المكتوب ، ولو قرأتها كما هي فقد يتعثر لسانها المعتاد الفصحى – وهو ما حدث فعلا !! – فقد أوشكت أن تضع ( ضمة ) على الفعل المضارع ( تتقدم ) مع وجود الباء العامية في أوله !!هذه الباء البسيطة( التي كان مؤسس الشعر الحلمنتيشي حسين شفيق المصري رحمه الله يسميها : حرف جر بالبلدي !! ) هي الفيصل بين العامية والفصحى ، فلو حُذفت من الشعار لأمكن ضبطه بالشكل ولتحول عربيا فصيحا ، هذه الباء الصغيرة كلفت ساويرس – راعي المؤتمر – كما قيل وقتها ، عشرين مليونا من الجنيهات هي تكاليف المؤتمر ، لكنه فيما قيل دفعها راضيا مرضيا عنه حين قبلوا شرطه غير المعلن : وهو أن يكون شعار المؤتمر ( بالمصري ) كما يحب دائما أن يردد في كلامه وفضائياته في مقابل كل ما هو "عربي" !!

    ويمكنك أن ترى العامية الآن تكاد تكون هي السائدة في معظم الإعلانات التجارية التي يتم بثها إذاعيا وتلفزيونيا بل وفي الصحافة المطبوعة .

    إنني لا أعرف أين يقبع ذلك الشيطان الرجيم الذي يسوِّق للعامية بهذا التخطيط المحكم ، وبهذا الإصرار العجيب ، وبهذا الإلحاح المتواصل ، فهو ( يُعَمِّي = من العامية ) كل الإعلانات التجارية ، وأسماء البرامج مثل ( مصر النهارده ) وشعارات الحزب الحاكم المتحكم ، ومطبوعات وزارة التعليم الإرشادية التي يتم تعميمها على المدارس – وهنا مكمن كبير للخطر – وغيرها من المواقع .

    أين يقبع ذلك الشيطان الرجيم الذي يسوِّق للعامية بهذا التخطيط المحكم ، وبهذا الإصرار العجيب ، وبهذا الإلحاح المتواصل؟ أهو في إحدى السفارات الأجنبية التي لا يُرد لها طلب ؟ أم في ماسبيرو ؟ أم في الحزب ؟ أم في لاظوغلي؟ أم في الخصوص من نواحي المرج؟!!!

    أيها السادة الكرام ... سادتنا اللصوص المحترمين .....زوروا انتخاباتكم كما شئتم ، وسوِدوا لصوصكم كما شئتم ، واسرقوا إرادتنا ما وسعتكم السرقة ، وانهبوا آثارنا ما استطعتم ، واسرقوا من لوحاتنا الفنية المقتناة ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع ، واسرقوا الأوناش ما قل منها وما كثر ، وابسطوا نفوذكم على أراضينا جهد طاقتكم ..

    لكن ... نرجوكم – سادتنا اللصوص – لا تسرقوا لغتنا ، فلغتنا مرتبطة بقرآننا .. وسنموت دفاعا عنها ، وإن ظننتم أننا عن مؤامراتكم الخسيسة غافلون ، فأنتم واهمون .

    د. مصطفى رجب

    « القرآن لا يغيِّب البسمة !يا أحـرار العالم اتحّـدوا »

    Tags وسوم : , , , ,
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق