• أفغانستان: تخفيف طعم الهزيمة

    هزيمة إيسافليس من السّهل الإعتراف بالفشل، فضلا عن الإقرار بالهزيمة. فكيف إذا كان الفاشل قوات عسكرية شاركت فيها 44 دولة، وبقيادة أعتا قوّة في العالم؟ وكيف إذا كان المُسْتَعْصُون عن الهزيمة من القبائل التي تسكن الخيام والكهوف، شبع منهم الفقر، وتربّعت في بلادهم الأمية والمرض؟
    فقد استيقظ الرّأي العام الغربي مؤخرا على نتائج الحرب التي خاضتها حكومات دوله في أفغانستان...

    ليس من السّهل الإعتراف بالفشل، فضلا عن الإقرار بالهزيمة. فكيف إذا كان الفاشل قوات عسكرية شاركت فيها 44 دولة، وبقيادة أعتا قوّة في العالم؟ وكيف إذا كان المُسْتَعْصُون عن الهزيمة من القبائل التي تسكن الخيام والكهوف، شبع منهم الفقر، وتربّعت في بلادهم الأمية والمرض؟
    فقد استيقظ الرّأي العام الغربي مؤخرا على نتائج الحرب التي خاضتها حكومات دوله في أفغانستان، وأصبح يضغط باتجاه الخروج منها. حرب قطعت القوات العسكرية المشاركة فيها آلاف الكيلومترات لخوضها، وأزهقت فيها آلاف الأرواح، وأهدرت فيها مئات المليارات من اليورو، ثم يكتشف المنادون إليها، بعد تسع سنوات من اندلاعها، أنّ أهدافها لم تتحقّق، بل هي غير قابلة للتّحقيق. كيف لهذه الحكومات أن تبرّر لشعوبها ما فعلت، وتطلب ضخّ مزيد من الأموال، ليس لتحقيق النّصر، ولكن لتأمين خروجها منها، والتّخفيف من طعم الهزيمة في "إعلان نصرها" هناك!

    في هذا السّياق، يأتي التقرير الذي أعدّته لجنة من البرلمانيين الأوربيين، حمل عنوان "أفغانستان: تفسير دواعي حرب للرأي العام".
    يتناول التقرير كما يشير إلى ذلك العنوان، كيفية إقناع الرأي العام الأوربي، بدواعي هذه الحرب. فقد رأى "مجلس اتحاد أوربا الغربية للأمن والدفاع" الذي أُعِدَّ له التقرير وناقشه، وأذن بتوزيعه على الصحافة، أنّ هناك تحوّلا في تعاطي الرأي العام الأوربي مع هذه الحرب، ونزوعا إلى اعتبارها عبئا ثقيلا، ومن ثمةّ ممارسة ضغوط على الحكومات لسحب قواتها من هناك. ويرى المجلس أنّ وجود اختلاف بين الموقفين الحكومي والشعبي، يحتاج إلى معالجة، وأن من مهام لجنة العلاقات البرلمانية، متابعة تطوّر الرأي العام الأوربي للتدخلات العسكرية التي تقوم بها دوله، خصوصا في المناطق البعيدة، حتى تحظى القرارات السياسية لهذه الدول بقبول الرأي العام.


    ذكّر التقرير الذي جاء في عشرين صفحة، بالأسباب المعلنة لهذا التدخّل العسكري، وتطوّرات الوضع على الساحة الأفغانية، والصّعوبات التي اعترضت القوات الدولية في تنفيذ برنامجها. ويرصد تطوّر الرّأي العام الغربي معها، وتحوّله من غلبة كفّة المؤيدين في بداية الحرب، إلى اعتبارها ورطة يجب التخلّص منها وسحب الجنود من هناك، كما هو الحال خلال الأشهر الأخيرة.

    تبرير استمرار الحرب

    هذه الحرب التي تخوضها "قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان" (ايساف) بقيادة حلف شمال الأطلسي ضد مقاتلي حركة طالبان، تقتات من ميزانيات أنهكتها الأزمة الإقتصادية العالمية، وكشفت قبح وجهها جثث ضحاياها من الجنود الأوربيين والأمريكيين، والمدنيين الأفغان، الذين تضاعف عددهم خلال الأشهر الأخيرة، حتّى أصبحت تطوّراتها مادة إعلامية يومية تؤثّر في توجّهات الرأي العام. وطُوٍيَ موسم التبشير بالنصر على حركة طالبان إلى غير رجعة. فقد انتظر الرّأي العام الأوربي طيلة التسع سنوات الماضية، ما يدعم تصريحات قادته السياسيين، ولكنه كان يفاجأ في كلّ مرّة بخلاف ذلك.

    تقول اللّجنة في تقريرها، إنّ تبرير التدخل العسكري في أفغانستان يعتبر اليوم ضرورة قصوى، لأنّ الخسائر البشرية تتصاعد، سواء في صفوف الجنود الغربيين، أو المدنيين الأفغان. والتكاليف المالية تزداد، والرأي العام "نسي دواعي هذه الحرب... حتّى أصبحت مقارنتها بحرب فيتنام عُمْلة يومية". وهذا ما ينتهي إلى الضغط المتزايد على مواقف الدول المشاركة في التدخل، ويدعوها إلى إعادة النّظر في خياراتها السياسية، إلى درجة التغيير الجذري، مثلما حصل في هولندا.
    كما أن رجل الشارع الأوربي، بحاجة إلى معرفة ما يبرّر ميزانيات الدفاع، والإنفاق على مثل هذه العمليات والبعثات، خصوصا في ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة.

    ويذكّر التقرير بدواعي الحرب، التي أعلنت إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 ، فيقول إنّها جاءت لإنهاء حكم طالبان "الذي يدعم الإرهاب"، واعتقال القادة "المتطرّفين" الذين يوفّرون الحماية الكافية لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن. ويشير إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1386 بتاريخ 12 سبتمبر 2001، الذي وصف الوضع وقتها بأنّه "تهديد للسلم العالمي والأمن الدولي" وهو ما يبرّر "اللجوء إلى القوة للدفاع عن الشرعية".

    ملل الشّارع

    يتناول التقرير في ثناياه الأسباب التي جعلت الرأي العام الغربي يملّ هذه الحرب، ويتّجه إلى معارضة استمرارها. وأوّل هذه الدواعي، انقضاء تسع سنوات على بدايتها، دون تحقيق نتائج، بل إنّ تطوّرات المعارك الدائرة بين القوات الدولية ومقاتلي طالبان منذ نهاية العام 2009 إلى اليوم، غيّرت اتجاه الرأي العام، ووضعت حكومات الدول المشاركة في وضع صعب.

    ويوضّح التقرير أنّه خلال ثمان سنوات، تضاعف عدد القوات العسكرية هناك، فالتحقت بها القوات المنسحبة من العراق "ولكنّ النتيجة بقيت غير مشجّعة" إذ فقدت القوات الغربية 1700 رجل، وبلغ عدد الضّحايا من المدنيين الأفغان نحو 9700 ضحية حسب الإحصاءات الرسمية لحلف الأطلسي. ويؤكّد التقرير أنّ الإحساس الذي ساد في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية المتحالفة معها، هو أنّ هذه الحرب "أصبحت مستنقعا وبدون مخرج".

    ويتناول التقرير تحوّلات الرأي العام تجاه الحرب، في عدد من الدول، كلّ منها على حدة، ليخلص إلى أنّ النتيجة العامة، هي ميل واضح وغالب إلى ضرورة الخروج من أفغانستان، بشكل أصبح فيه هذا التوجّه يضغط على الحكومات.

    فبالنّسبة للولايات المتّحدة الأمريكية، أصبحت للأمريكيين حساسية خاصة تجاه الخسائر البشرية في الحروب التي يخوضونها، نتيجة الصّدمة التي تلقّوها في حرب فيتنام. لذلك، نجد
    رفضهم لهذه الحرب متوازيا مع ارتفاع عدد ضحاياهم فيها. وهي تتراوح ما بين 50 و 60 ضحية في الشّهر. وقد بلغت نسبة الذين يعتبرون الحرب غير مبرّرة 58 بالمائة، وهي أعلى نسبة منذ اندلاع الحرب، عندما ارتفع عدد ضحاياهم إلى 59 ضحية في شهر اكتوبر 2009. ومنذ يناير 2010 ظل عدد الضحايا يرتفع، ومن ثمّة نسبة المؤيدين لاستمرار الحرب تتراجع.
    هذا الوضع، جعل الساسة الأمريكيين يتداولون "استراتيجية الخروج" من أفغانستان، أو بلغة أخرى "مواصلة الحرب من أجل إنهائها"، وهي الرسالة التي يمكن أن "يقبلها الرأي العام أحسن من غيرها" بعد ثمان سنوات من العمليات، بدون نتيجة واضحة.

    وفي المملكة المتّحدة، اعتبر الرّأي العام البريطاني الحرب في أفغانستان عندما انطلقت "حربا مشروعة". لكن تلك النّظرة أصبت مجرّد ذكرى بعيدة، عندما ارتفع عدد الضحايا البريطانيين، وأصبح الرأي العام يرى أن أهداف بلادهم من الحرب غير قابلة للتحقيق. ففي 4 نوفمبر الماضي، قال 64 بالمائة من البريطانيين إنه من المستحيل ربح الحرب، مقابل 58 بالمائة في يوليو 2009. وقال 42 بالمائة من المستجوبين إنّهم لا يفهمون دواعي مشاركة بلادهم في هذه الحرب، ورأى 63 بالمائة ضرورة سحب الجنود البريطانيين من أفغانستان فورا، بينما قال 52 بالمائة إنّ الحرب لم تكن تستحقّ أن تندلع أصلا، ما حدا بالحكومة إلى تنظيم حملة إعلامية لاستمرار الحرب منذ مطلع العام الحالي 2010، لم يزد تأثيرها على واحد بالمائة من الرأي العام.

    ويبدو أنّ تصريح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ يعبّر عن حقيقة مهمة عندما قال "إن الرأي العام لا يمكن أن يساند حملة طويلة لا تحمل دلائل تقدّم عسكري وسياسي حقيقيّين في أفغانستان". وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس بطريقة أكثر مباشرة، فقال إنّه "يريد عودة القوات البريطانية في أقرب وقت".

    أمّا في ألمانيا، فإن الرأي العام في معظمه يعارض أساسا هذا النوع من التدخل، ويرغب في سحب قوات بلاده من هناك. ففي ربيع 2007، عبّر 57 بالمائة من الألمان عن رغبتهم في سحب قوات بلادهم، ثم ارتفعت هذه النسبة إلى 69 بالمائة في جويلية 2009، وظهر أن الرأي العام الألماني لا يتحمّل أن يكون هناك ضحايا من الجنود الألمان.

    أمّا في هولندا، فإن قرار التمديد للبعثة العسكرية الهولندية في أفغانستان، كان أهم الأسباب التي أدّت إلى سقوط الحكومة السّابقة، وخسارتها في الإنتخابات الأخيرة.

    وفي فرنسا، يعارض الرئيس ساركوزي زيادة عدد قواته في أفغانستان، بسبب ضغط الرأي العام، وخسارة حزبه في الإنتخابات الجهوية الأخيرة.

    وفي إسبانيا، حرصت حكومة ثاباتيرو إثر سحب قواتها من العراق، إلى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. وكانت المشاركة الإسبانية في العمليات العسكرية في أفغانستان محل قبول بل استحسان من قبل جميع الأحزاب الإسبانية، وتحظى بتأييد الرأي العام، نتيجة تأثير تفجيرات مدريد في مارس 2004، رغم الخسائر البشرية التي تكبّدتها القوات الإسبانية في أفغانستان.

    أما في بلجيكا، فإن الحكومة الجديدة ستسحب قواتها من أفغانستان، خصوصا وأن الحزب الإشتراكي الفلاماني يضع ذلك شرطا لمشاركته في الحكومة.

    هذا التحوّل في الرأي العام الأوربي والأمريكي تجاه هذه الحرب، دفع حلف شمال الأطلسي إلى أن يطلب من الدول الحليفة المشاركة بقواتها هناك، بذل مجهود أخير، يتمثّل في تعزيز عدد القوات والمعدات "لضرب أخطر المواقع وأصلبها لدى طالبان". وقد زار الأمين العام للحلف بنفسه هذه الدول لبحث هذا الموضوع.

    وفي نفس الإطار، احتضنت لندن يوم 28 يناير الماضي ندوة حضرتها الدول المشاركة بقواتها في أفغانستان، وكان هدفها الإتفاق على قواعد السحب التدريجي للوجود العسكري. وقد عبّرت الدول المشاركة عن رغبتها في أن يتولّى الأفغان الأمر بأيديهم، من خلال تسيير سياسي أفضل، وتعاون جهوي وشراكة دولية أكثر فعالية.

    استراتيجية الخروج

    يتناول التّقرير "استراتيجية الخروج" التي سيبدأ تنفيذها بداية من يوليو 2011، والتي تقضي بتمكين الحكومة الأفغانية والجيش وأجهزة الأمن النظامية مسؤولية أمن البلاد بشكل متدرّج.

    ويوضّح أنّ المساعي الدبلوماسية والسياسية تتجه الآن إلى اقتراح حل تشارك فيه أطراف من طالبان تقبل بالحوار. ويؤكّد أنّ الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تركّز على التعاون وإعادة الإعمار، ورفع المساعدة المالية للتنمية، وتطوير الحوار مع الشق المعتدل من طالبان، وتعزيز القوات الأمريكية بثلاثين ألف رجل، وتطوير القدرات العسكرية الأفغانية من خلال دورات تكوينية وتدريبية، وتعزيز مسؤولية الحكومة الأفغانية خصوصا في العمليات العسكرية جنوب البلاد، وفي حفظ الأمن بشكل عام.

    فساد

    استراتيجية المزج بين العمل العسكري وما يمكن تسميته بـ "إعادة الإعمار" بهدف كسب السكان الأفغان، وتغيير نظرتهم للقوات الأجنبية، من اعتبارها قوات محتلّة، إلى قوات "تساهم في تطوير البلاد" اصطدمت بحقيقتين تُفقدان هذه الإستراتيجية مفعولها، وهما عدم قابلية المجتمع الأفغاني للإختراق الأجنبي، والفساد الذي ينخر المؤسسات الحكومية هناك. يقول التّقرير إنّ القوات الغربية "عجزت عن نيل ثقة السكان الأفغان، الذين حافظوا على نظرتهم المريبة لكل تدخل أجنبي، تماما مثل نظرتهم للسوفييت خلال فترة الحرب معهم". ويضيف "لقد ظلّ الأفغان منغلقين، وغير قابلين للإختراق من طرف ثقافة تختلف عن ثقافتهم، وبقي تنظيم طالبان في أعينهم، هو التنظيم السياسي العسكري الفعّال الوحيد".

    ثمّ يتحدّث التقرير عن الفساد الذي ينخر أجهزة حكومة كرزاي، بلغة لا تخلو من مرارة، وفي بعض الأحيان من اليأس. ويقول إنّ شكوكا تحوم حول المساعدات الإقتصادية والتقنية التي تتلقاها، بهدف إعادة الإعمار. ويضيف "هناك مبالغ هامة وقع تحويلها عن المشاريع الموجّهة إليها، ما يدعو إلى عدم دعم مشاريع أخرى مماثلة". ويوضّح أنّ "الفساد وانعدام الثقة بين العسكريين الأفغان، يعتبران عراقيل حقيقة أمام تحسين الوضع الأمني في البلاد. فالفساد ليس منحصرا في تجارة المخدرات، ولكنه يشمل مختلف المجالات، وهناك عدد غير قليل من المسؤولين السياسيين الأفغان، يفضلون حكم طالبان، على أن يفقدوا بعض مصادر دخلهم" يقصد بذلك ما يحصلون عليه من تجارتي المخدّرات والسلاح. ويوضّح "إنّ قوات الأمن الأفغانية، تعرقل إجراءات تحسين الوضع الأمني، وعدد غير قليل منهم، متورّطون في الإتجار بالمخدرات، وتجارة السلاح". وقد صرح مسؤول منظمة أطباء بلا حدود في أفغانستان، بأن جهاز الشرطة هناك، هو آخر الأجهزة التي يمكن أن يتعاون معها. ويخلص التقرير إلى أنّ "الفساد حاضر في كل مكان، وبشكل قاتل، وهو المعرقل الحقيقي لتنفيذ استراتيجية القوى الدولية في أفغانستان. وهذا المشكل لا يسمح بأي تقدّم سياسي".

    ويؤكّد التقرير أنّ أفغانستان لم تستطع التخلص من شبكات الفساد، في ظل تخلف اقتصادي، وقوانين لا تحظى بثقة السكان. ويؤكّد أنّه "لا يمكن البتة فرض نمط غربي جاهز". وهذا ما حدا بالقوات الدولية إلى إنشاء مركز دراسات واتصال، قريب من العملية العسكرية. كما يطرح التّقرير ضرورة فتح حوار اجتماعي وسياسي واسع ومفتوح مع حركة طالبان، يمكن أن يفضي إلى تعاون مع نظام حكم ديمقراطي في البلاد.

    "مكاسب"

    لكنّ التقرير يحاول في نهايته التخفيف من سوداوية الوضع، ويقول إنّ حكم حامد كرزاي وفّر للبلاد ظروفا أفضل للعمل والأمن والإستقرار. ويذكر من جملة المكاسب التي تحقّقت، توفّر فرص العمل، وتحسّن ظروف الأمن والعلاج، والطرقات والماء الصالح للشرب والكهرباء، وحرية المرأة، وكثير ممّا يتعلّق بالبنية التحتية للبلاد عموما. لكنّه يقرّ بأنّ تحسن ظروف العلاج مثلا، لم تتجاوز 14 بالمائة من المستجوبين، فيما كانت 7 بالمائة قبل ذلك. ويشيد بالتّطوّر الذي عرفته وسائل الإعلام، في بلد 80 بالمائة من سكانه أميون. ويقول إنّ الصحف والمجلات ودور النشر والمحطات الإذاعية والتلفزيونية قد تعدّدت وتنوّعت، لكنها بحاجة إلى المهنية، ولكنّه يقرّ أنّ "كلها تقريبا، مرهونة في وجودها إلى دعم الدول الأجنبية والمنظمات غير الحكومية".

    ويلحّ التقرير على ضرورة تذكير الرأي العام الغربي بالهدف من هذا التدخل، وهو محاربة الإرهاب، هذا الخطر الذي يقول إنّ "له تأثيره المباشر على الحياة في الدول الغربية". ومن الضرورة القصوى أن يقتنع الشعب الأفغاني فيقبل ويدعم هذا التدخل حاليا ومستقبلا.
    ويخلص التّقرير في توصياته إلى ضرورة اعتماد استراتيجية إعلامية، تعمل على نشر معلومات "حول مكاسب البعثة العسكرية" في أفغانستان، وما قدّمته للمدنيين الأفغان من خدمات. وأنّ الهدف الأساس من وجودها هو محاربة الإرهاب، كما أنّ هناك مشاريع تعاون مع وسائل الإعلام الأفغانية بصدد التنفيذ، تعتمد تكوين المهنيّين، وتقديم التجهيزات، والمساعدة لإنشاء مركز مستقلّ للصحافة والإعلام.

    سؤال ما بعد الإنسحاب

    لقد حمل تقرير اللجنة البرلمانية حقائق لم يكن من السّهل مصارحة الرّأي العام الأوربي بها وفي دفعة واحدة. وكشف أخطاء استراتيجية خطيرة، وكأنّ القيادة الأمريكية التي خطّطت لهذه الحرب وقادتها، لم تكن تعرف شيئا عن سكان أفغانستان وجغرافيتها، رغم تجربتهم الطويلة هناك خلال الحرب على الوجود السوفييتي لنحو عقدين من الزّمن. فها هي القوات الدولية "تفاجأ" بطبيعة المجتمع الأفغاني غير القابل للإختراق، وبرجال حكومة نصبتها بأيديها، قد استشرى بينهم الفساد، ويثقون في رجال حركة طالبان، وبمساحة واسعة من أرض المعارك تغطّيها جبال وعرة كثيرة، لا تلين لقصف الطائرات ونيران المدافع والجنود.

    ثم يلوح بصيص أمل يمكن أن يخفّف من مرارة الإعتراف بالفشل، والإقرار بالهزيمة، وهو المتعلّق بـتكوين وتدريب الجيش وأجهزة الأمن الأفغانية، و"إعادة الإعمار" و الإسهام في تحسين ظروف الحياة اليومية للسكان. وهو ما يتوقّع أن يحظى بتغطيات إعلامية واسعة خلال لفترة القادمة، في انتظار الكشف عن خطة مستقبلية، للوجود الأمريكي والأوربي هناك.

    لقد تفطّن الأوربيون مؤخرا، إلى أهمية أن يكون لهم حضور في منطقة أسيا الوسطى، استعدادا لتحوّلات سياسية واستراتيجة منتظرة، يراقبون من خلالها الأوضاع في الصين وروسيا والهند وإيران وبقية الدول الإسلامية هناك. فهل يتركون أفغانستان التي لهم فيها تجربة طويلة وثرية، وتسع سنوات من الوجود العسكري المعلن، وأنفقوا فيها أموالا ضخمة، وسقط لهم فيها ضحايا كثيرون، ليخرجوا منها ويبحثوا بعدها عن مكان آخر بديل؟ أم تراهم يستبدلون وجودهم العسكري الحالي، بحضور من نوع أخر، يحقّق مصالحهم، ولا يستفزّ الرّأي العام الأفغاني، ولا يطعن في استقلال بلادهم؟ هذا ما لم يتطرّق إليه التقرير، ولكن الحراك السياسي الأوربي يشير بوضوح إلى حاجتهم الملحّة إلى موطئ قدم هناك، في إطار صياغة جديدة لخريطة للعالم.
    المصريون

    « خطة ليبيرمان لفصل غزةالخبز مقابل يسوع »

    Tags وسوم :
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق