• ماذا يحدث في نيجيريا..؟

    مدونة لقمان

    عام 2002 كتب السياسي الأمريكي (بول مارشال) مقالا بصحيفة " الواشنطن بوست" أوسع الصحف الأمريكية انتشارًا بعددها الصادر بتاريخ (8-10-2002) تحت عنوان " المعقل القادم للأصولية الإسلامية" يشير الي نيجيريا ، وينوه لأن الولايات المتحدة تنظر إلى دول غرب أفريقيا عمومًا - ونيجيريا على وجه الخصوص - كمصدر رئيسي لتوريد النفط ضمن سعيها للبحث عن بديل كفء لدول الخليج والشرق الوسط التي وصفها الكاتب بأنها "مصدر غير مستقر للنفط"، وكأنه يقرأ التاريخ المستقبلي للأحداث في المنطقة في حالة غزو الولايات المتحدة للعراق ....

    عام 2002 كتب السياسي الأمريكي (بول مارشال) مقالا بصحيفة " الواشنطن بوست" أوسع الصحف الأمريكية انتشارًا بعددها الصادر بتاريخ (8-10-2002) تحت عنوان " المعقل القادم للأصولية الإسلامية" يشير الي نيجيريا ، وينوه لأن الولايات المتحدة تنظر إلى دول غرب أفريقيا عمومًا - ونيجيريا على وجه الخصوص - كمصدر رئيسي لتوريد النفط ضمن سعيها للبحث عن بديل كفء لدول الخليج والشرق الوسط التي وصفها الكاتب بأنها "مصدر غير مستقر للنفط"، وكأنه يقرأ التاريخ المستقبلي للأحداث في المنطقة في حالة غزو الولايات المتحدة للعراق .

     

    وكان هدف ( مارشال) من وراء هذا النحذير من أن ما يهدد هذه السيطرة الأمريكية علي منطقة غرب أفريقيا هو (الحركة الأصولية الإسلامية) التي قد تطيح بأحلام أمريكا في السيطرة علي المنطقة برغم أن هذه الحركات الاسلامية لا تمثل أي خطورة علي المصالح الأمريكية في غرب أفريقيا !.
    وفي نفس التوقيت نشر (تقرير سياسات الطاقة القومية) لنائب الرئيس الأمريكي السابق (ديك تشيني) وصف نيجيريا فيه بأنها "أسرع المصادر النفطية نموًا لاحتياجات الطاقة الأمريكية"، وتبع هذا قيام الرئيس السابق بوش بجولة أفريقية، التقى خلالها بزعماء عشر دول أفريقية معظمها دول منتجة للنفط ويؤكد ما تخطط له أمريكا من إنشاء قاعدة بحرية في (ساو توم) ، وجري تشكيل قيادة عسكرية خاصة لأفريقيا (قوات أفريكوم) .
    وقد أكد مدير المعهد الأمريكي للدراسات الإستراتيجية المتقدمة الدكتور "بول ميكائيل ووبي" أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل لمضاعفة استيرادها من النفط النيجيري من 900 ألف برميل يوميا إلى 18 مليون برميل يوميا في السنوات القليلة المقبلة بهدف تخفيف الاعتماد على دول الخليج العربية خاصة المملكة العربية السعودية بعد القلق الذي شاب العلاقات بينهما عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.

     

    وقال ووبي في كلمته التي ألقاها في ندوة "النفط الأفريقي وأولوياته الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية والتنمية في أفريقيا" والتي عقدت 6-7-2002م بمدينة لاجوس: إن المؤشرات والأرقام الإحصائية الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50% من مجموع النفط المستورد بحلول عام 2015م.
    وأضاف أن التخطيطات المستقبلية والمبنية على الدروس المستفادة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت الولايات المتحدة إلى التفكير جدياً والعمل نحو تنويع المصادر الخاصة لتلبية احتياجاتها من النفط خارج منطقة الشرق الأوسط التي تعتبرها أوكار الإرهابيين ومهد تنظيم القاعدة، على حد زعمها.

     

    ومنذ ذلك الحين تزايد الدراسات الأمريكية الرسمية حول مصادر الطاقة في أفريقيا ومنها تقرير صدر عن الكونجرس عن "خليج غينيا" وهو شريط ساحلي مليء بالنفط بين أنجولا ونيجيريا اعتبر هذه المنطقة "منطقة اهتمام حيوي" للولايات المتحدة بناء على المعلومات التي تفيد بغنى المنطقة الفعلي بالنفط، حيث أن إنتاج المنطقة النفطي يتعدى 5.4 مليون برميل يومياً وهي كمية تزيد على مجمل إنتاج فنزويلا وإيران والمكسيك !! .
    وظهرت توقعات رسمية أمريكية تؤكد أن الولايات المتحدة سوف تعتمد علي حوالي 20% من احتياجاتها النفطية من أفريقيا خلال العقد المقبل، ستوفر دول غرب أفريقيا 15% منها ، وتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى 25 % بحلول عام 2015 ، والإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50 % من مجموع النفط المستورد بحلول العام 2015 بالفعل ، علما أن نيجيريا هي أكبر بلد منتج للنفط في القارة الإفريقية، وتصدر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكثر من مليون ونصف المليون برميل يوميا .

     

    الفزاعة الاسلامية مدخل للتدخل !
    ولأن المدخل الطبيعي للسيطرة علي هذه الثروة النفطية الأفريقية والنيجيرية تحديدا هو ضمان التدخل والتواجد الأمريكي في المنطقة ، فمن الطبيعي أن يجري إتباع سياسة تضخيم دور ما يسمي (الحركة الأصولية الإسلامية) ، وهو ما يفسر تصاعد التحذيرات والأكاذيب الأمريكية عن دور متنام للقاعدة في نيجيريا وجود عناصر للقاعدة التي يشيعون أن عناصرها تجول ما بين مالي والنيجر ونيجيريا بخلاف دور الجماعات الأصولية مثل (بوكو حرام) وما قيل عن محاولتهم إنشاء دولة إسلامية أصولية وتضخيم حجمهم وقيامهم بحوادث عنف في يوليو العام الماضي 2009 وتحريض الجيش النيجيري علي التدخل ضدهم بعنف ما أدي لمجزرة قتل فيها أكثر من 700 مسلم ، والهدف هو تبرير الوجود والتدخل الأمريكي في حزام النفط الممتد من دارفور (غرب السودان وافريقيا) وحتى نيجيريا وغانا والنيجر ، تحت مسمى قوات أفريكوم !.

     

    من هنا نلحظ أن تاريخ المصادمات الطائفية في نيجيريا بين المسلمين والمسيحيين – ورغم أنه قديم – لم يشهد تصاعدا إلا منذ أوائل القرن الحالي الحادي والعشرين وتحديدا منذ 2000 ، ولنتذكر هنا الاحداث التي وقعت في عام 2000 في ولاية كادونا والتي اسفرت عن مقتل الفي شخص ، ايضا خلال السنوات الاربع الاولى في حكم اوباسانجو - وهو مسيحي - (من عام 1999 الى عام 2003) قتل حوالي 10 الاف شخص في انحاء نيجيريا بسبب صدامات طائفية بين المسلمين والمسيحيين .
    وأحد أسباب تأجج هذا الصراع الطائفي الذي خلف تلك الأعداد الكبيرة من الضحايا هو استهانة اوباسانجو ومسؤولية خلال فترة حكمه الاولى بخطورة الخلافات الدينية بين الطوائف المختلفة، بل ان البعض اشار باصابع الاتهام اليه لعدم اصداره الاوامر للجيش بالتدخل بسرعة لانهاء الخلاف في بدايته ، ويضيف المحللون ان هناك سببا آخرا لاندلاع الصراع الطائفي في نيجيريا والذي لم يكن موجودا في الأساس لعقود طويلة ، ويشيرون الى ان قادة سياسيين اشعلوا عمدا هذا الصراع ليخدم مصالحهم الشخصية عن طريق خلق القلاقل في بعض المناطق مستغلين التعدد الديني والثقافي في نيجيريا ، وهناك من يتهم بعض هؤلاء السياسيين ويصفهم بأنهم "مرتزقة" أو الطابور الخامس للغرب وأمريكا ، وهو أمر معتاد في دول العالم المختلفة حيث التدخل عبر هؤلاء السياسيين الفاسدين أو غيرهم لإشعال فتن او معارك أو حروب .

     

    لماذا المصادمات الطائفية الآن ؟
    من هنا يمكن أن نفهم سر تصاعد هذه الأعمال الطائفية مؤخرا بعدما نجحت عوامل إشعالها واصبحت هناك دماء طائفية في نيجيريا .. فيوم 17 يناير الماضي 2010 تعرض مسلمو قرى وضواحي مدينة "جوس" عاصمة ولاية بلاتو الواقعة في وسط نيجيريا وذات الأغلبية المسلمة لمذبحة قبائل مسيحية متعصبة ووصل الأمر لتعليق جماجم القتلى وعظامهم على مداخل القرية لإرهاب من تبقى من أهل تلك القرية على قيد الحياة ؟.
    منظمة هيومان رايتس ووتش أصدرت بيانا وصفت فيه بعض ما حدث : إنه «فى يوم 19 يناير2010، هاجم مسلحون قرية كورو كاراما النيجيرية، وأكثرية سكانها من المسلمين، وبعد أن حاصروا القرية بدأوا بملاحقة وقتل السكان المسلمين الذين التجأ بعضهم إلى منازل وإلى مسجد القرية، لكن المسلحين راحوا يطاردونهم، فقتلوا الكثيرين، حتى إنهم أحرقوا البعض وهم أحياء».

     

    وجاء في بيان المنظمة ذاتها أنه "يعتقد أن جماعة نصرانية استهدفت بلدة (كورو كاراما) مما أسفر عن مقتل 150 مسلمًا كانوا يلوذون بالفرار، وتَمّ حرق البعض وهم على قيد الحياة". ودعت "هيومن رايتس" نائب الرئيس النيجيري، جودلاك جوناثان، لفتح تحقيق جنائي حول تلك التقارير التي أكّدت المنظمة أنها موثوق بها. أما شهود العيان الذين رووا لبعض وسائل الإعلام جوانب من المشاهد المروعة التي عاشوها، فقد أكدوا على أن الذين ارتكبوا مجازر "كورو كاراما" هم نصارى، وأنهم استخدموا سيوفاً قصيرة ومناجل، وأسلحة نارية، إضافة إلى العصي والحجارة، وإشعال النيران في ضحاياهم لحرقهم أحياء والقاء البعض في أبار المياه ، وهذه ليست عملية عنف طائفي وإنما غل طائفي وراءه تحريض من جماعات المنصرين الغربيين وربما ألاعيب سياسية لأن المواجهات أندلعت بسبب اعتراض النصارى على بناء مسجد في حي نصراوا غون وهو حي غالبية سكانه من النصارى .

     

    وسبق أن وقعت مصادمات بين النصارى والمسلمين في مدينة جوس في نوفمبر 2008 أسفرت عن مقتل 200 معظمهم من المسلمين. وكانت تلك الخلافات بسبب تزوير الانتخابات لصالح مرشحين نصارى في منطقة غالبية سكانها من المسلمين.
    وتعقيدات الأوضاع الداخلية في نيجيريا سياسياً واقتصادياً ودينياً وعرقياً دفع إلى ترجيح القول بأن تجدد أعمال العنف والاضطرابات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين هي نتيجة لعوامل متعددة، وليست مجرد أعمال "عنف طائفي" ترتكبه مجموعة ضد أخرى ، وبرغم حديث الخبراء المكرر عن الأزمة الاجتماعية، والحرمان الاقتصادي، وحالة الإحباط السياسي التي تعاني منها البلاد، والتي تغذي حالة عدم الاستقرار من جهة، وتدفع الوجه الطائفي/الديني إلى واجهة الأحداث من جهة أخري ، فلم يلتفت أحد للدور التحريضي الأمريكي غير المباشر عبر المجموعات المحلية المسيحية وجماعات المنصرين ودعم قطاعات في الجيش النيجيري ضد المسلمين .

     

    فنيجيريا ـ وهي أكبر دولة إسلامية في إفريقيا ـ مستهدفة من قبل الحركات التنصيرية العالمية، بجمعياتها ومنظماتها وبعثاتها التي لا تنقطع عن الوفود إلى هذا البلد، ومخططات التنصير العالمية التي تستهدف نيجيريا منذ عدة عقود في إطار مشروع "مؤتمر كلورادو لتنصير العالم". وحسب تلك المخططات فقد كان من المفترض أن تتحول نيجيريا إلى المسيحية بحلول عام 2000 ، ولكن هذا الهدف لم يتحقق، بل إن بعض الولايات النيجيرية أعلنت تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في إطار الحكم الفيدرالي في البلاد، الأمر الذي قد يساعد في إلقاء بعض الأضواء على خلفيات المذابح التي يتعرض لها المسلمون في نيجيريا بين الحين والآخر.
    وعندما تجددت أعمال العنف في وسط نيجيريا الشهر الماضي وأعلن عن مقتل أكثر من خمسمائة شخص من سكان القرى المسيحية التي هاجمتها مجموعات من مربي المواشي المسلمين المنتمين إلى إتثية (الفولاني) جنوب مدينة جوس كان ذلك نوعا من الإنتقام لضحايا المسلمين في مجازر سابقة بالسواطير والمناجل ، ولكن العنف هنا بدأ يأخذ طابعا أنتقاميا ردا علي المجازر السابقة .

     

    ولكن كان اللافت هنا أن وسائل الاعلام الغربية ركزت علي حديث المجازر المتبادلة وقرنت هذا بأفكار عن تدخلات غربية ومحاولات أمريكية لضبط الصراع هناك تارة عبر إرضاء المسيحيين المتمردين في الجنوب عبر دعم الرئيس المسيحي أوباسنجو في الحكم ، وتارة عبر السعي لتضخيم جماعات اسلامية مثل بوكو حرام وضربها بعنف ، وتارة ثالثة عن تدخلات فعلية بدعاوي التنمية في نيجيريا وخلق فرض للاستقرار في حين أن ما يجري علي الارض مختلف تماما وينم عن استراتيجية أمريكية واضحة للبقاء والتدخل بسبل مختلفة في غرب أفريقيا ونيجيريا تحديدا .
    النفط هو أحد العوامل المحركة بالتالي للصراع الطائفي في نيجيريا ومجازر المسلمين والتحريض ضد الحركة الأسلامية هنا لإضعافها والتمكين لعمليات التنصير جزء من اللعبة ، وفي حين ينشغل النيجيريون بصراعاتهم الطائفية ينهب الغرب ثرواتهم !

    « يهودية تعد التربية الإسلاميةامبراطورية مردوخ بالشرق الأوسط »

    Tags وسوم :
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق